سعيد بن مالك
صفحة 1 من اصل 1
سعيد بن مالك
كان الفتى سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الجُمَحِيُّ ، واحداً من الآلاف المؤلفة ، الذين شهدوا مصرع 'خُبَيْبِ بْنِ عَدِيَّ' أحد أصحاب مُحَمَّدٍ بعد أن ظفروا به غدرا.
وقد رأى أسير قريش مُكَبََّلاً بقيوده ، وأكف النساء والصبيان والشبان تدفعه الى ساحة الموت دفعا، لينتقموا من مُحَمَّدٍ فى شخصه ، وليثأروا فى 'بدر' بقتله. ولما وصلت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها الى المكان المعد لقتله ، وقف الفتى سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الجُمَحِيُّ بقامته الممدودة يطل على خبيب ، وهو يقدم الى خشبة الصلب ، وسمع
صوته الثابت الهادئ من خلال صياح النسوة والصبيان وهو يقول: 'إن شئتم أن تتركونى أركع ركعتين قبل مصرعى فافعلوا' ثم نظر اليه، وهو يستقبل الكعبة ، ويصلى ركعتين ، يا لحسنهما ويا لتمامهما.. ثم راه يقبل على زعماء القوم ويقول: 'والله لولا أن تظنوا أنى أطلت الصلاة جزعا من الموت لاستكثرت من الصلاة'.. ثم شهد قومه وهم يمثلون بخبيب حيا، فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة وهم يقولون له: أتحب ان يكون مُحَمَّدٍ مكانك وأنت ناج؟ فيقول – والدماء تنزف منه-: والله ما أحب أن أكون آمنا وادعا فى اهلى وولدى ، وأن مُحَمَّدٍاّ يؤخز بشوكه .. فيلوح الناس بايديهم فى الفضاء ، ويتعالى صياحهم: أن اقْتُلُوهُ ... اقْتُلُوهُ ..
ثم أبصر سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ خُبَيْباً يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقول: 'اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحداً'
ثم لفظ أنفاسه الأخيرة ، وبه ما لم يستطع أحد إحصاءه من ضربات السيوف وطعنات الرماح عادت قريش الى مكة ، ونسيت فى زحمة الأحداث الجِسَامِ خُبَيْباً ومصرعه. لكن الفتى اليافع سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الجُمَحِيُّ لم يغب خُبَيْبٌ عن خاطره لحظه.
كان يراه فى حلمه إذا نام، ثم إن خُبَيْباً علم سعيد ما لم يكن يعلم من قبل .. علمه أن الحياة الحقة عقيدة وجهاد فى سبيل العقيدة حتى الموت. وعلمه أيضاً أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب، ويصنع المعجزات. وعلمه أمرا آخر ، هو أن الرجل الذى يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبى مؤيد من السماء.
عند ذلك شرح الله صدر سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ إلى الإسلام ، فهاجر سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الى المدينة ، ولزم رسول الله صلوات الله عليه ، وشهد معه 'خيبر' وما بعدها من الغزوات.
ولما انتقل النبى الكريم صلى الله عليه وسلك الى جوار ربه وهو راض عنه ، ظل من بعده سيفا مسلولا فى ايدى خليفتيه ابى بكر وعمر، وعاش مثلا فريدا فذا للمؤمن الذى اشترى الآخرة بالدنيا ، وآثر مرضاة الله وثوابه على سائر رغبات النفس ، وشهوات الجسد.
ذات يوم دخل على عمر بن الخطاب فى أول خلافته فقال: يا عمر أوصيك أن تخشى الله فى الناس، ولا تخشى الناس فى الله وألا يخالف قولك فعلك ، فإن خير القول ما صدقه الفعل.. يا عمر : أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ، وأحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، وخذ الغمرات إلى الحق ولا تخف فى الله لومه لائم. فقال عمر: ومن يستطيع ذلك يا سعيد؟!.. فقال: يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله امر أمة مُحَمَّدٍ ، وليس بينه وبين الله أحد.
عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيدا الى مؤازرته وقال: يا سعيد إنا مولوك على أهل 'حمص' فقال: يا عمر نشدتك الله ألا تفتنى. فغضب عمر وقال: ويحكم .. وضعتم هذا الامر فى عنقى ثم تخليتم عنى!! والله لا ادعك ، ثم ولاه على 'حمص' وقال : ألا نفرض لك رزقا؟ قال : وما أفعل به يا أمير المؤمنين؟! فإن عطائى من بيت المال يزيد عن حاجتى .
ثم مضى الى 'حمص' وبعد فترة جاء لأمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل 'حمص' فقال لهم:اكتبوا لى أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم. فرفعوا كتابا فإذا فيه: فلان وفلان ، وسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ.فقال : ومن سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ؟! فقالوا: أميرنا. قال : أميركم فقير؟!. قالوا: نعم ، ووالله إنه لتمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد فى بيته نار .فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته ، ثم عمد الى الف دينار فجعلها فى صره وقال: اقرؤوا عليه السلام منى ، وقالوا له : بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك.
جاء الوفد لسعيد بالصرة فنظر فإذا هى دنانير ، فجعل يبعدها عنه وهو يقول: إنا لله وإنا اليه راجعون – كأنما نزلت به نازلة– فهبت زوجته مذعورة وقالت: ما شأنك يا سعيد؟ّ .. أمات أمير المؤمنين؟!. قال : بل أعظم من ذلك. قالت: أأصيب المسلمون فى وقعة؟!. قال : بل أعظم من ذلك.. قالت: وما أعظم من ذلك؟!.. قال: دخلت على الدنيا لتفسد آخرتى ، وحلت الفتنة فى بيتى . قالت: تخلص منها (وهى لا تدرى من امر الدنانير شيئا). قال: أوتعينيننى على ذلك؟.قالت: نعم. فأخذ الدنانير فجعلها فى ضرر ثم وزعها على فقراء المسلمين.
لم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها ، فلما نزل 'بحمص' – وكانت تدعى 'الكويفة' وهو تصغير 'للكوفة' وتشبيه 'لحمص' بها لكثرة شكوى أهلها من عمالهم وولائهم كما كان يفعل أهل 'الكوفة' – فلما نزل بها لقيه أهلها للسلام عليه فقال : كيف وجدتم أميركم؟ فشكوه إليه وذكروا أربعا من أفعاله ، كل واحد منها أعظم من الآخر. قال عمر: فجمعت بينه وبينهم ، ودعوت الله ألا يخيب ظنى فيه ؛ فقد كنت عظيم الثقة به.
فلما أصبحوا عندى هم وأميرهم ، قلت: ما تشكون من أميركم؟ قالوا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. فقلت: وما تقول فى ذلك يا سعيد؟ فسكت قليلا ، ثم قال : والله إنى كنت أكره أن أقول ذلك ، أما وإنه لابد منه ، فإنه ليس لأهلى خادم ، فأقوم فى كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلاً حتى يختمر ، ثم لأخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج للناس.
قال عمر: فقلت لهم: وما تشكون منه أيضاً؟ قالوا : إنه لا يجيب أحدا بليل.قلت : وما تقول فى ذلك يا سعيد؟ قال: إنى والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضاً. فأنا قد جعلت النهار لهم ، والليل لله عز وجل.
قلت : وما تشكون منه أيضاً؟ قالوا : إنه لا يخرج إلينا يوما فى الشهر. قلت : وما هذا يا سعيد؟ قال : ليس لى خادم با أمير المؤمنين ، وليس عندى ثياب غير التى على ، فانا أغسلها فى الشهر مرة وانتظرها حتى تجف ، ثم أخرج اليهم فى آخر النهار. ثم قلت: وما تشكون منه أيضاً؟ قالوا: تصيبه من حين الى آخر غشية فيغيب عمن فى مجلسه. فقلت: وما هذا يا سعيد.
فقال: شهدت مصرع خُبَيْبِ بْنِ عَدِيَّ وأنا مشرك ، ورأيت قريشا تقطع جسده وهى تقول له : أتحب أن يكون مُحَمَّدٍ مكانك؟. فيقول: والله ما أحب أن أكون آمنا فى أهلى وولدى ، وأن مُحَمَّداً تشوكه شوكة .. وإنى والله ما ذكرت ذالك اليوم وكيف أنى تركت نصرته إلا ظنت أن الله يغفر لى .. وأصابتنى تلك الغشية.
عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذى لم يخيب ظنى به. ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها على حاجته. فلما رأتها زوجته قالت له: الحمد لله الذى أغنانا عن خدمتك ، اشتر لنا مؤنة ، واستأجر لنا خادما. فقال لها : وهل لك فيما هو خير من ذلك؟ قالت : وما ذاك؟! قال: ندفعها إلى من يأتينا بها ، ونحن أحوج ما نكون إليها. قالت: وما ذاك؟! قال: نقرضها الله قرضا حسنا. قالت: نعم ، وجزبت خيرا.
فما غادر مجلسه الذى هو فيه حتى جعل الدنانير فى صرر ، وقال لواحد من أهله: انطلق بها الى أرملة فلان ، والى أيتام فلان ، وإلى مساكين آل فلان ، وإلى معوزى آل فلان.
رضى الله عن سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الجُمَحِيُّ فقد كان من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة
وقد رأى أسير قريش مُكَبََّلاً بقيوده ، وأكف النساء والصبيان والشبان تدفعه الى ساحة الموت دفعا، لينتقموا من مُحَمَّدٍ فى شخصه ، وليثأروا فى 'بدر' بقتله. ولما وصلت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها الى المكان المعد لقتله ، وقف الفتى سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الجُمَحِيُّ بقامته الممدودة يطل على خبيب ، وهو يقدم الى خشبة الصلب ، وسمع
صوته الثابت الهادئ من خلال صياح النسوة والصبيان وهو يقول: 'إن شئتم أن تتركونى أركع ركعتين قبل مصرعى فافعلوا' ثم نظر اليه، وهو يستقبل الكعبة ، ويصلى ركعتين ، يا لحسنهما ويا لتمامهما.. ثم راه يقبل على زعماء القوم ويقول: 'والله لولا أن تظنوا أنى أطلت الصلاة جزعا من الموت لاستكثرت من الصلاة'.. ثم شهد قومه وهم يمثلون بخبيب حيا، فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة وهم يقولون له: أتحب ان يكون مُحَمَّدٍ مكانك وأنت ناج؟ فيقول – والدماء تنزف منه-: والله ما أحب أن أكون آمنا وادعا فى اهلى وولدى ، وأن مُحَمَّدٍاّ يؤخز بشوكه .. فيلوح الناس بايديهم فى الفضاء ، ويتعالى صياحهم: أن اقْتُلُوهُ ... اقْتُلُوهُ ..
ثم أبصر سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ خُبَيْباً يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقول: 'اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحداً'
ثم لفظ أنفاسه الأخيرة ، وبه ما لم يستطع أحد إحصاءه من ضربات السيوف وطعنات الرماح عادت قريش الى مكة ، ونسيت فى زحمة الأحداث الجِسَامِ خُبَيْباً ومصرعه. لكن الفتى اليافع سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الجُمَحِيُّ لم يغب خُبَيْبٌ عن خاطره لحظه.
كان يراه فى حلمه إذا نام، ثم إن خُبَيْباً علم سعيد ما لم يكن يعلم من قبل .. علمه أن الحياة الحقة عقيدة وجهاد فى سبيل العقيدة حتى الموت. وعلمه أيضاً أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب، ويصنع المعجزات. وعلمه أمرا آخر ، هو أن الرجل الذى يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبى مؤيد من السماء.
عند ذلك شرح الله صدر سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ إلى الإسلام ، فهاجر سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الى المدينة ، ولزم رسول الله صلوات الله عليه ، وشهد معه 'خيبر' وما بعدها من الغزوات.
ولما انتقل النبى الكريم صلى الله عليه وسلك الى جوار ربه وهو راض عنه ، ظل من بعده سيفا مسلولا فى ايدى خليفتيه ابى بكر وعمر، وعاش مثلا فريدا فذا للمؤمن الذى اشترى الآخرة بالدنيا ، وآثر مرضاة الله وثوابه على سائر رغبات النفس ، وشهوات الجسد.
ذات يوم دخل على عمر بن الخطاب فى أول خلافته فقال: يا عمر أوصيك أن تخشى الله فى الناس، ولا تخشى الناس فى الله وألا يخالف قولك فعلك ، فإن خير القول ما صدقه الفعل.. يا عمر : أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ، وأحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، وخذ الغمرات إلى الحق ولا تخف فى الله لومه لائم. فقال عمر: ومن يستطيع ذلك يا سعيد؟!.. فقال: يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله امر أمة مُحَمَّدٍ ، وليس بينه وبين الله أحد.
عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيدا الى مؤازرته وقال: يا سعيد إنا مولوك على أهل 'حمص' فقال: يا عمر نشدتك الله ألا تفتنى. فغضب عمر وقال: ويحكم .. وضعتم هذا الامر فى عنقى ثم تخليتم عنى!! والله لا ادعك ، ثم ولاه على 'حمص' وقال : ألا نفرض لك رزقا؟ قال : وما أفعل به يا أمير المؤمنين؟! فإن عطائى من بيت المال يزيد عن حاجتى .
ثم مضى الى 'حمص' وبعد فترة جاء لأمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل 'حمص' فقال لهم:اكتبوا لى أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم. فرفعوا كتابا فإذا فيه: فلان وفلان ، وسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ.فقال : ومن سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ؟! فقالوا: أميرنا. قال : أميركم فقير؟!. قالوا: نعم ، ووالله إنه لتمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد فى بيته نار .فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته ، ثم عمد الى الف دينار فجعلها فى صره وقال: اقرؤوا عليه السلام منى ، وقالوا له : بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك.
جاء الوفد لسعيد بالصرة فنظر فإذا هى دنانير ، فجعل يبعدها عنه وهو يقول: إنا لله وإنا اليه راجعون – كأنما نزلت به نازلة– فهبت زوجته مذعورة وقالت: ما شأنك يا سعيد؟ّ .. أمات أمير المؤمنين؟!. قال : بل أعظم من ذلك. قالت: أأصيب المسلمون فى وقعة؟!. قال : بل أعظم من ذلك.. قالت: وما أعظم من ذلك؟!.. قال: دخلت على الدنيا لتفسد آخرتى ، وحلت الفتنة فى بيتى . قالت: تخلص منها (وهى لا تدرى من امر الدنانير شيئا). قال: أوتعينيننى على ذلك؟.قالت: نعم. فأخذ الدنانير فجعلها فى ضرر ثم وزعها على فقراء المسلمين.
لم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها ، فلما نزل 'بحمص' – وكانت تدعى 'الكويفة' وهو تصغير 'للكوفة' وتشبيه 'لحمص' بها لكثرة شكوى أهلها من عمالهم وولائهم كما كان يفعل أهل 'الكوفة' – فلما نزل بها لقيه أهلها للسلام عليه فقال : كيف وجدتم أميركم؟ فشكوه إليه وذكروا أربعا من أفعاله ، كل واحد منها أعظم من الآخر. قال عمر: فجمعت بينه وبينهم ، ودعوت الله ألا يخيب ظنى فيه ؛ فقد كنت عظيم الثقة به.
فلما أصبحوا عندى هم وأميرهم ، قلت: ما تشكون من أميركم؟ قالوا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. فقلت: وما تقول فى ذلك يا سعيد؟ فسكت قليلا ، ثم قال : والله إنى كنت أكره أن أقول ذلك ، أما وإنه لابد منه ، فإنه ليس لأهلى خادم ، فأقوم فى كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلاً حتى يختمر ، ثم لأخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج للناس.
قال عمر: فقلت لهم: وما تشكون منه أيضاً؟ قالوا : إنه لا يجيب أحدا بليل.قلت : وما تقول فى ذلك يا سعيد؟ قال: إنى والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضاً. فأنا قد جعلت النهار لهم ، والليل لله عز وجل.
قلت : وما تشكون منه أيضاً؟ قالوا : إنه لا يخرج إلينا يوما فى الشهر. قلت : وما هذا يا سعيد؟ قال : ليس لى خادم با أمير المؤمنين ، وليس عندى ثياب غير التى على ، فانا أغسلها فى الشهر مرة وانتظرها حتى تجف ، ثم أخرج اليهم فى آخر النهار. ثم قلت: وما تشكون منه أيضاً؟ قالوا: تصيبه من حين الى آخر غشية فيغيب عمن فى مجلسه. فقلت: وما هذا يا سعيد.
فقال: شهدت مصرع خُبَيْبِ بْنِ عَدِيَّ وأنا مشرك ، ورأيت قريشا تقطع جسده وهى تقول له : أتحب أن يكون مُحَمَّدٍ مكانك؟. فيقول: والله ما أحب أن أكون آمنا فى أهلى وولدى ، وأن مُحَمَّداً تشوكه شوكة .. وإنى والله ما ذكرت ذالك اليوم وكيف أنى تركت نصرته إلا ظنت أن الله يغفر لى .. وأصابتنى تلك الغشية.
عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذى لم يخيب ظنى به. ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها على حاجته. فلما رأتها زوجته قالت له: الحمد لله الذى أغنانا عن خدمتك ، اشتر لنا مؤنة ، واستأجر لنا خادما. فقال لها : وهل لك فيما هو خير من ذلك؟ قالت : وما ذاك؟! قال: ندفعها إلى من يأتينا بها ، ونحن أحوج ما نكون إليها. قالت: وما ذاك؟! قال: نقرضها الله قرضا حسنا. قالت: نعم ، وجزبت خيرا.
فما غادر مجلسه الذى هو فيه حتى جعل الدنانير فى صرر ، وقال لواحد من أهله: انطلق بها الى أرملة فلان ، والى أيتام فلان ، وإلى مساكين آل فلان ، وإلى معوزى آل فلان.
رضى الله عن سَعِيدُ بنٌ عَامِرٍ الجُمَحِيُّ فقد كان من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة
بركان فلسطين 2- عضو جديد
-
عدد الرسائل : 58
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 31/10/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى