الضحك والنسيان, ... إلى جبير المليحان
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الضحك والنسيان, ... إلى جبير المليحان
ليس للعنوان علاقة برواية كونديرا الشهيرة ، ولكنه يردنى أكثر إلى بيت المتنبى الذى يقول فيه:
كم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا
ولست أدرى لماذا اختص المتنبى مصر بهذا ، ربما لأن للمتنبى بمصر من الذكريات التى تضحك وتبكى، فبادلها نفس الشعور وقال فيها مدحا وهجاء ،وموقف المتنبى شأن موقف كثير من المثقفين هو موقف مجازى وسياسى ، إذ كانت مصر فى تصوره لا تزيد عن الأسرة الحاكمة التى أفرط فى مدحها وهجوها وعلى أى حال هى لم تكن أسرة مصرية. وهذا فى حد ذاته يدعو للضحك والبكاء معاً .
ضحك المتنبى من مصر فيه مرارة البكاء ، وهكذا فهو موقف نقدى ، وضحك فيه معنى السخرية ، غير أن سخرية المتنبي طالت الأمة كلها فقال فيها :
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم ياأمة ضحكت من جهلها الأمم
وإذا كان للضحك وظيفة سياسية كشكل من أشكال نقد السلطة ، فهو أيضاً يؤدى إلى نوع من التطهيرالجماعى حتى لايموت الناس غيظاً من سوء الحياة السياسية والاقتصادية وهكذا يصبح الضحك قرين النسيان .
لكن الناس لاتضحك من السلطة فقط ، بل تضحك من نفسها أيضاً ، حتى فى لحظات الألم ، تصوروا سمعت نكتة عن حادث غرق العبارة المصرية ، وكان بطلها واحد صعيدى كالعادة ، وأنتم تعرفون أن ضحايا الحادث كان أغلبهم من الصعايدة ، طبعاً لن أقول لكم النكتة وأرضى فضولكم .
المسألة أن الضحك ثقافة، والنكتة أبلغ تعبير عن ثقافة الشعوب ، ومن ثم فهى لاتنقل إلى ثقافة أخرى أو لغة أخرى إلا وتكون فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها
، فى أكثر بلاد العالم ستجد شخصية يضحك الناس عليها مثل الصعيدى (بتاعنا)، تبدأ النكتة عادة بـ ( مرة واحد...)، لكن صدقونى ، الناس اختارت الصعيدى لتخبئ وراءه عيوبها ، والصعيدى أذكى منهم فيفضح هذه العيوب عندما يمارسها ، وبلغة الميثولوجيا فالصعيدى كبش الفداء الذى يختاره الناس ليفتدوا أنفسهم من السخرية، وبلغة علم النفس هو الإنسان البدائى الكامن فينا( الهو) الذى يواجهنا بحقيقة عيوبنا ، هذا إذا اعتبرنا الضحك أحد أشكال النقد الذاتى ، الذى يعمل على تعزيز التماسك الاجتماعى وذلك برفو الفتوق السلوكية التى تتفشى بين الناس وتؤدى إلى تمزيق أواصر العلاقات الاجتماعية ، فالنكتة تعالج أخص شؤون المجتمع وأكثرها سرية ، أى أنها تفضح المسكوت عنه ، وهذا أوضح مايكون فى النكتة الجنسية ، خذ ملخصا مهذبا لهذه النكتة : " كانا زوجين صالحين مهذبين ، لكن الزوجة لا تجيد الطهو ، أراد أن ينبهها من غير أن يجرحها ، فكتب ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) ، وضع الورقة فى المطبخ وخرج ، عندما عاد وجدها على السرير .
دعك من المعنى الجنسى ، وفكر كيف تنتقد النكتة انعدام الحوار وحالات الصمت التى تريم على العلاقات الزوجية .
اهتمت الدراسات الحديثة بالضحك ، ونجحت من خلال تحليل المواقف والنكات التى تضحك الناس أن تحدد اهتماماتهم وميولهم وبهذا يصبح للمضحكات فائدة سياسية ـ أخرى ـ عندما يقوم على تحليلها صناع القرار، فيعينهم ذلك على قياس رغبات الناس ومن ثم الاستجابة لها ، هذا إذا كان صناع القرار يكترثون.
لذلك فالنكتة السياسية فى المجتمعات الديموقراطية تكون بمثابة رسالة إلى السلطة ، مجرد رسالة، ونتيجة لذلك فهى أكثر مباشرة وأقل إضحاكاً ، وكلما زاد القمع على الشعوب زادت النكتة غموضاً والتفافاً ، وصارت أكثر إضحاكاً وأكثر فنية فى بنائها وتركيبها ، وأكثر بلاغة فى رسالتها .
خذ مثلا النكتة المشهورة عن ابن الرئيس الذى اشترى شقتين واحدة فى أسوان والأخرى فى الإسكندرية ثم فتحهما على بعضهما .
طبعاً بلاغة النكتة واضحة ، وهى تتسم بدرجة من المرونة تجعلها صالحة لكل زمان ومكان ، فبطلها يمكن أن يكون ابن رئيس أو وزير أوملك ، لكن هذا المغزى السياسى للنكتة لن يفهمه رجل من السويد مثلاً .
وخذ مثلاً للنكتة الذكية فى مجتمع بلغت فيه الديكتاتورية شأواً عظيماً (كانت أرملة لينين تحدث التلاميذ فى إحدى المدارس عن شفقة ورحمة زوجها فقالت إنه ذات يوم كان يحلق ذقنه خارج المنزل فى الريف عندما مر به طفل وسأله ماذا تفعل ؟ فقال لينين ..أحلق ذقنى أيها الطفل.
سكتت الأرملة فسألها أحد التلاميذ .. وما الذى فى هذايجعل لينين رجلاً شفوقاً رحيماً ،؟ فقالت الأرملة ..ألا ترى أن شفرة الحلاقة كانت فى يده وكان يستطيع أن يقطع رقبة الطفل ولكنه لم يفعل ؟؟
إذ لم تضحكم النكتة فتلك مسؤلية شاكر عبد الحميد الذى أوردها فى كتابه الرائع ( الضحك والفكاهة) الصادر عن سلسة عالم المعرفة،غير أن الكتاب يقدم رؤية جديدة للفكاهة والضحك من منظور ( اجتماعى ونفسى ) ، كما أنه يعمق الموضوع بتحليلاته الدقيقة على مدى ( 12 فصلاً ) ممتعة ، فقط غاظنى عندما عبر سريعاً على موضوع ( الضحك فى التراث العربى ) ،ربما لأن هدف الكتاب هو تحليل الضحك فى سياق ثقافى كسلوك إنسانى ، وربما لأن عشرات الكتب والدراسات تناولت ـ من قبل ـ موضوع الضحك فى التراث العربى .
فالثقافة العربية حفلت بالظرفاء والمضحكين
كم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا
ولست أدرى لماذا اختص المتنبى مصر بهذا ، ربما لأن للمتنبى بمصر من الذكريات التى تضحك وتبكى، فبادلها نفس الشعور وقال فيها مدحا وهجاء ،وموقف المتنبى شأن موقف كثير من المثقفين هو موقف مجازى وسياسى ، إذ كانت مصر فى تصوره لا تزيد عن الأسرة الحاكمة التى أفرط فى مدحها وهجوها وعلى أى حال هى لم تكن أسرة مصرية. وهذا فى حد ذاته يدعو للضحك والبكاء معاً .
ضحك المتنبى من مصر فيه مرارة البكاء ، وهكذا فهو موقف نقدى ، وضحك فيه معنى السخرية ، غير أن سخرية المتنبي طالت الأمة كلها فقال فيها :
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم ياأمة ضحكت من جهلها الأمم
وإذا كان للضحك وظيفة سياسية كشكل من أشكال نقد السلطة ، فهو أيضاً يؤدى إلى نوع من التطهيرالجماعى حتى لايموت الناس غيظاً من سوء الحياة السياسية والاقتصادية وهكذا يصبح الضحك قرين النسيان .
لكن الناس لاتضحك من السلطة فقط ، بل تضحك من نفسها أيضاً ، حتى فى لحظات الألم ، تصوروا سمعت نكتة عن حادث غرق العبارة المصرية ، وكان بطلها واحد صعيدى كالعادة ، وأنتم تعرفون أن ضحايا الحادث كان أغلبهم من الصعايدة ، طبعاً لن أقول لكم النكتة وأرضى فضولكم .
المسألة أن الضحك ثقافة، والنكتة أبلغ تعبير عن ثقافة الشعوب ، ومن ثم فهى لاتنقل إلى ثقافة أخرى أو لغة أخرى إلا وتكون فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها
، فى أكثر بلاد العالم ستجد شخصية يضحك الناس عليها مثل الصعيدى (بتاعنا)، تبدأ النكتة عادة بـ ( مرة واحد...)، لكن صدقونى ، الناس اختارت الصعيدى لتخبئ وراءه عيوبها ، والصعيدى أذكى منهم فيفضح هذه العيوب عندما يمارسها ، وبلغة الميثولوجيا فالصعيدى كبش الفداء الذى يختاره الناس ليفتدوا أنفسهم من السخرية، وبلغة علم النفس هو الإنسان البدائى الكامن فينا( الهو) الذى يواجهنا بحقيقة عيوبنا ، هذا إذا اعتبرنا الضحك أحد أشكال النقد الذاتى ، الذى يعمل على تعزيز التماسك الاجتماعى وذلك برفو الفتوق السلوكية التى تتفشى بين الناس وتؤدى إلى تمزيق أواصر العلاقات الاجتماعية ، فالنكتة تعالج أخص شؤون المجتمع وأكثرها سرية ، أى أنها تفضح المسكوت عنه ، وهذا أوضح مايكون فى النكتة الجنسية ، خذ ملخصا مهذبا لهذه النكتة : " كانا زوجين صالحين مهذبين ، لكن الزوجة لا تجيد الطهو ، أراد أن ينبهها من غير أن يجرحها ، فكتب ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) ، وضع الورقة فى المطبخ وخرج ، عندما عاد وجدها على السرير .
دعك من المعنى الجنسى ، وفكر كيف تنتقد النكتة انعدام الحوار وحالات الصمت التى تريم على العلاقات الزوجية .
اهتمت الدراسات الحديثة بالضحك ، ونجحت من خلال تحليل المواقف والنكات التى تضحك الناس أن تحدد اهتماماتهم وميولهم وبهذا يصبح للمضحكات فائدة سياسية ـ أخرى ـ عندما يقوم على تحليلها صناع القرار، فيعينهم ذلك على قياس رغبات الناس ومن ثم الاستجابة لها ، هذا إذا كان صناع القرار يكترثون.
لذلك فالنكتة السياسية فى المجتمعات الديموقراطية تكون بمثابة رسالة إلى السلطة ، مجرد رسالة، ونتيجة لذلك فهى أكثر مباشرة وأقل إضحاكاً ، وكلما زاد القمع على الشعوب زادت النكتة غموضاً والتفافاً ، وصارت أكثر إضحاكاً وأكثر فنية فى بنائها وتركيبها ، وأكثر بلاغة فى رسالتها .
خذ مثلا النكتة المشهورة عن ابن الرئيس الذى اشترى شقتين واحدة فى أسوان والأخرى فى الإسكندرية ثم فتحهما على بعضهما .
طبعاً بلاغة النكتة واضحة ، وهى تتسم بدرجة من المرونة تجعلها صالحة لكل زمان ومكان ، فبطلها يمكن أن يكون ابن رئيس أو وزير أوملك ، لكن هذا المغزى السياسى للنكتة لن يفهمه رجل من السويد مثلاً .
وخذ مثلاً للنكتة الذكية فى مجتمع بلغت فيه الديكتاتورية شأواً عظيماً (كانت أرملة لينين تحدث التلاميذ فى إحدى المدارس عن شفقة ورحمة زوجها فقالت إنه ذات يوم كان يحلق ذقنه خارج المنزل فى الريف عندما مر به طفل وسأله ماذا تفعل ؟ فقال لينين ..أحلق ذقنى أيها الطفل.
سكتت الأرملة فسألها أحد التلاميذ .. وما الذى فى هذايجعل لينين رجلاً شفوقاً رحيماً ،؟ فقالت الأرملة ..ألا ترى أن شفرة الحلاقة كانت فى يده وكان يستطيع أن يقطع رقبة الطفل ولكنه لم يفعل ؟؟
إذ لم تضحكم النكتة فتلك مسؤلية شاكر عبد الحميد الذى أوردها فى كتابه الرائع ( الضحك والفكاهة) الصادر عن سلسة عالم المعرفة،غير أن الكتاب يقدم رؤية جديدة للفكاهة والضحك من منظور ( اجتماعى ونفسى ) ، كما أنه يعمق الموضوع بتحليلاته الدقيقة على مدى ( 12 فصلاً ) ممتعة ، فقط غاظنى عندما عبر سريعاً على موضوع ( الضحك فى التراث العربى ) ،ربما لأن هدف الكتاب هو تحليل الضحك فى سياق ثقافى كسلوك إنسانى ، وربما لأن عشرات الكتب والدراسات تناولت ـ من قبل ـ موضوع الضحك فى التراث العربى .
فالثقافة العربية حفلت بالظرفاء والمضحكين
عبد السلواني- مشرف قسم
-
عدد الرسائل : 41
العمر : 35
تاريخ التسجيل : 10/10/2008
رد: الضحك والنسيان, ... إلى جبير المليحان
ههههههههههههههههههههههههههههههههه والله مو فاهم اشي بس خلص مقبوله يا عبد السلواني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى